
أحلم ببيت صغير في مكان بعيد عن كل شيء. بيت تحيط به الأشجار، وتبدأ صباحاته بصوت العصافير ورائحة الخبز الطازج. حلم بسيط، لكنه أقرب إلى النجاة. كلما أغمضت عينيّ، أراه بوضوح لا يقبل الشك. أراني أحفر الأرض بيدي، وأجمع حصاد تعب شهور طويلة. شعور بالانتماء يغمرني، كأنني أخيرًا وجدت نفسي.
لكن كل شيء ينهار حين أفتح عيني. أجدني في غرفة مكتظة بالأوراق والملفات، صوت السيارات يزاحم رأسي، والوقت يركض أسرع من أنفاسي. المدينة تبتلعني كل يوم، تستهلك روحي بلا رحمة. أعيش وسط الإسمنت والإسفلت، محاطًا بكل وسائل الراحة، لكنني بالكاد أتنفس، وكأنني في قفص فاخر، لكنه قفص.
أحلم بالهروب. أن أترك كل شيء وراء ظهري، أن أبني بيتًا في قرية نائية، أن أزرع أرضي وأعيش من تعب يدي. أحلم بحياة لا تقيدها ساعات العمل، ولا تصنعها قرارات لا تشبهني. لكن شيئًا ما يشدني دائمًا. مسؤوليات؟ خوف؟ أو ربما تلك القيود غير المرئية التي تضعها الحياة المعاصرة حول معاصمنا.
رغم ذلك، أتمسك بالحلم. أراه في كل لحظة صمت، وأسمعه في كل نسمة هواء تهرب من نافذتي الصغيرة. أعرف أن يومًا ما سيأتي، حين أقرر أن أكسر القفص وأعيش كما أردت دائمًا. قد أتأخر، لكنني لن أنسى. الحلم ينتظرني هناك، على تلك التلة.




