
كأنَّ الزمنَ أصابه عطبٌ خفي، وكأنَّ الكونَ قرر أن يختبر صبرنا بما يفوق طاقته. تأخرت القطارات هذا العام، وما تأخرها علينا بالغريب؛ الغريب أن المحطات نفسها متضررة من هذا التأخير. المقاعد باردة، والجدران صامتة، والحقائب ثقيلة بأحلام لا تصل أبدًا. من ينتظر ماذا؟ لم يعد السؤال مهمًا، فالوقت هنا عدو الجميع.
الكلمات…
هي الأخرى خذلتني. لم أستطع أن أقول ما أردتُ قوله هذا العام. كنتُ أشعر بها تحترق داخلي، تتكسر في حلقي كزجاجٍ هش، وتعود إلى صدري كجمرٍ لا يبرد. حاولتُ أن أصرخ، لكنَّ صوتي كان حبيسًا، كعصفورٍ في قفص ضيّق، يخاف أن يُحلق في أفق محدود.
والمطر…
ذاك الخائن الذي وعدنا أن يعود ليروي عطش الأرض، لم يأتِ. ترك الفلاحين ينظرون إلى السماء بأعينٍ مشقّقة كأراضيهم. الدعاء لم يَكْفِ، والصلوات عادت فارغة كما جاءت. حتى الأرض، التي طالما كانت أمًّا حانية، بدت هذا العام كأنها ترفض أبناءها، كأنها تقول: “لا تنتظروا مني شيئًا؛ أنتم تأخرتم أولًا.”
لكنَّ المصائب؟
آه، المصائب لا تحتاج إلى دعوة، ولا تعرف التأخير. تأتي كأنها الريح، تسحق الأبواب، وتُلقي بظلالها الثقيلة على كل زاويةٍ في بيوتنا. لا تنتظر طرقًا أو مواعيد. تهبط علينا كقذيفةٍ، تفتت ما تبقى من يقيننا، وتتركنا عراة أمام خوفنا.
كل شيء تأخر.
وأنا؟
أجلس في المنتصف، بين ماضٍ يتلاشى ومستقبلٍ لا يأتي. أحاول أن أكتب، أن أقول شيئًا ينقذني من صمتي، لكن الكلمات تأبى أن تصف هذا الثقل. ربما نحن جميعًا مثقلون، لكننا نمارس الصبر كطقسٍ قديم، نؤمن رغم كل شيء أن الانتظار لن يطول.