تجتاحه نزواته الشيطانية فيفقد نزعته الانسانية، تغمره غرائزه الحيوانية فيتناسى القيم الأخلاقية، تستحوذه ميولاته الجنسية الشاذة، فينطلق كالحمار الجامح لا يفرق بين شجر وحجر وحيوان.
ينقض على طفل في عمر الزهور فيختلي به في زاوية مظلمة من محل بقالته، يزيل عن وجهه رداء الوقار هو الرجل الخمسيني، وينزع عن الضحية رداء الطهر بهوس جنوني، يستغرق الطفل في بكاء طفولي بريئ، ويسترسل هو في طقسه الحيواني الدنيء، يهتك عرض الطفل بلمساته الهمجية، يدنس شرفه بحركاته الحيوانية، ويغتصب حاضره ومستقبله بنزواته اللاأخلاقية.
يستمر المشهد المؤلم للحظات، يستلذ الجاني لحم الطفل بنشوة، ويتجرع الصغير إهانات الحقير بقسوة، فجأة ودون سابق إنذار، تشتعل الأضواء المنطفئة، وتنطفئ الغرائز المشتعلة، تتحول عتمة المكان إلى نور ساطع يكشف الحقيقة ويفضح الجريمة.
في حي مراكشي شعبي وقع المحظور، وفي محل بقالة الجاني انكشف المستور، اختفى الطفل للحظة، واختفى البقال لبرهة، وبدا محل البقالة مغلقا على غير العادة، انتبه سكان الحي للأمر وشكوا في البقال المعروف عندهم بميولاته المنحرفة، هرعوا إلى عين المكان حاملين الغضب في قلوبهم و الكاميرات في أيديهم، تربص الجاني بالطفل فاغتصبه، وتربص المواطنون بالجاني فضبطوه وصوروه وفضحوه.
في غمرة الفضيحة، تعالت أصوات المواطنين المستنكرة، توالت توسلات البقال المنحرف طالبة الصفح والغفران، وتناهت إلى الأسماع آهات الطفل وصرخاته المكلومة، لكن صوتا نشازا سرعان ما استرعى الانتباه. صوت لم يأتي لإدانة الاغتصاب كفعل شنيع يخالف القيم الأخلاقية والأعراف الإنسانية، وإنما أتى للدفاع عن الذكورة التي هي محور الكون في نظره، وأصل العالم في تصوره.
يقول الجاني:
— هادي والتوبة !!
فيجيبه الصوت النشاز:
— آشمن توبة، كون غي وركتي على بنت صغيورة ماشي مشكل عيبنا واحد !
في هذا الموقف يحير الفهم ويشيخ التفكير، ويتأكد لمن هو بحاجة لتأكيد أن مجتمعما ذكوري بامتياز، ونظرتنا للمرأة قاسية وظالمة بامتياز أيضا، فليس مهما أن تغتصب الأنثى طفلة كانت أو امرأة، لأن الكل متواطئ و”عيبنا واحد”، لكن العيب – كل العيب- أن يغتصب طفل ذكر، لأن في ذلك اغتصاب للذكورة كلها، وهل في عالمنا العربي شيء أطهر وأشرف من الذكورة ؟!!
في مجتمعنا الذكوري المنافق، يملك الذكر سلطة القرار وتملك الأنثى عصا الطاعة، يملك الذكر لسان التحرش وتملك الأنثى لسانا تبلعه، يملك الذكر يدا تضرب ورجلا تركل، وتملك الأنثى جسدا يتحمل وقلبا يدمع، يملك الذكر الحق في صديقة وحبيبة وخليلة، وتملك الأنثى الحق في مطبخ ومكنسة و”مقراج”، يملك الذكر قضيبا لا يدنسه فسق ولا فجور ولا زنا، وتملك الأنثى شرفا تلطخه ضحكة بريئة وأحمر للشفاه !
طفولة مستباحة ومجتمع ذكوري منافق
ما رأيك في هذا الموضوع؟