
كبر الطفل الذي أراد أن ينقذ العالم، فاكتشف متأخرًا أن العالم لا يُنقَذ، بل يُشاهَد ويُتفرج عليه. فهم بعد فوات الأوان أن دوره لم يكن يومًا أن يصير بطلا، بل أن يكون شاهدًا على المسرح العبثي للحياة، حيث يَنسى الجميع أسماء الضحايا، وتبقى الحـ روب متواصلة كإرثٍ ثقيل لا يملّ الإنسان من توريثه.
كبر، ولم تعد الأحلام الوردية تكفيه ليقاوم الواقع المرير، صار يقرأ الأخبار كما يقرأ الغبي صفحات التاريخ، بلا دهشة، بلا نقد وبلا احتجاج، وكأن الدم المسفوك هنا وهناك، لم يعد يعنيه ما دام لا يبلل عتبة بيته.
لم يكن هذا استسلامًا، بل نجاةً. أن تفهم اللعبة متأخرًا خير من أن تظل دميةً في يد الأمل. لم يعد يريد تغيير العالم، بل أن ينجو منه. أن يعبر العمر كما يعبر المسافر أرضًا لا ينتمي إليها، يأخذ منها ما خفّ وزنه وثقل معناه، يراقب المشهد بعين من عرف أن الحقيقة الوحيدة المطلقة هي اللامعنى واللامنطق وما شابه ذلك من اللاءات التي لا تنتهي.
اليوم، حين ينظر خلفه، لا يندم على الأحلام الكبيرة التي شغلت طفولته، بل على السنوات التي قضاها يحارب طواحين الهواء. الآن، يدرك أن الحـ رب الوحيدة التي تستحق العناء، هي تلك التي يخوضها المرء ضد أوهامه، وأن النضج ليس أن تفهم الحياة، بل أن تتصالح مع عبثها.