هذا ليس غليونا: هل تمثل الصور واللغة الواقع كما هو؟

هذا ليس غليونا

“هذا ليس غليونا” عنوان للوحة أبدعها الفنان السريالي البلجيكي رينيه ماغريت سنة 1929. تتشكل اللوحة المعروفة أيضا تحت عنوان “خداع الصور” من صورة غليون، مع نص توضيحي يقول: “هذا ليس غليونا”. هذه اللوحة الفارقة في عالم الفن مثال حي على أهمية الفكر التفكيكي ودوره في تحدي الفهم السطحي للواقع الذي تعد الصور والنصوص وغيرها مجرد تمثيل له، لا أكثر.

ومن خلال لوحة “هذا ليس غليونا” يبرز مفهوم التمثيل بشكل واضح عبر الإشارة التي وضعها الفنان إلى الفرق بين تمثيل الغليون (صورته) والغليون الحقيقي (ذاك الذي يمكننا الإمساك به واستعماله). وفي هذا الإطار، تعمل اللوحة كتذكير صارخ بأن ما نراه ليس دائمًا هو ما نعتبره واقعا، وأن تصوراتنا للواقع يمكن التأثير عليها والتلاعب بها بسهولة.

وفي عالم اليوم، أضحى مفهوم التمثيل من الأهمية بمكان، نظرا للتطور التكنولوجي وما أتاحه من تعدد أدوات تمثيل الواقع سواء تعلق الأمر بالنصوص المكتوبة أو اللوحات المرسومة أو الصور الملتقطة أو تلك المبتكرة بأحدث البرامج التقنية.  ومما يثير القلق أن معالجة الصور والوسائط الرقمية وتغيير معلوماتها وتبديلها أضحى من السهولة بمكان. وفي ظل هذا الزخم، تبدو الحاجة ملحة لفكر نقدي يفكك كل ما يتلقاه، ويفحصه بعين الشك، واضعا في الاعتبار أن الواقع شيء وتمثيله شيء آخر تماما. 

فمع أول مطالعة لتطبيق تيكتوك مثلا، تبدو وجوه معظم مستعمليه ناعمة وصافية لا تشوبها شائبة من شوائب الدهر، ولا تنغصها شامة هنا أو طفح جلدي هناك، ليس لأنها كذلك في الواقع، ولكن لأن هذا التطبيق يتيح إمكانية استعمال فيلترات تزيل العيوب وتضيف المحاسن. نفس الأمر ينطبق على صور المشاهير على أغلفة المجلات، وبيانات المؤثرين على صفحات الويب، وسير من لم نلتقيهم يوما ولم نجالسهم، وقيل لنا عنهم الشيء الكثير. 

هؤلاء وغيرهم، يقدمون لنا أنفسهم – أو يتم تقديمهم لنا –  في صور أقرب ما تكون إلى المثالية وأبعد ما تكون عن الواقع. والمؤسف في الأمر، أن تقديمهم كمرآة للواقع ينطلي على من لا وقت أو لا أدوات لديه للتفحيص والتمحيص والتدقيق والتفكيك وإعادة البناء، فيصبحون وغيرهم مرجعا بديهيا في الجمال والنجاح والأخلاق وهلم جرا.  والمؤسف أكثر، أن هذا المرجع “السراب” قد يتسبب في حرب نفسية وصراع مرير لمن يتبنونه، ويدفعهم إلى قضاء حياتهم لاهثين خلفه معتقدين أنهم بالغيه يوما، وما هم ببالغيه. 

إن إثارة الانتباه للفرق بين الواقع وتمثيله لا تعني بالضرورة أن كل ما نراه ليس حقيقيا، ولا كل ما ما نقرؤه ليس جديرا، ولا كل ما يحكى لنا كذب، بل القصد، كل القصد، أن نفرق بين الواقع كما هو، والواقع كما ينقله لنا الآخرون، ذاك الذي حسب ماغريت “ليس واقعا”. 

ما رأيك في هذا الموضوع؟

Similar Posts