هل تساءلت يوماً لماذا نطبخ اللحم ولا نأكله نيئاً؟ للإجابة عن هذا السؤال، يأخذنا المفكر الفرنسي الشهير كلود ليفي ستراوس في رحلة عميقة من خلال كتابه “النيء والمطبوخ”.
يرى ليفي ستراوس أن تحول الإنسان من تناول الطعام النيء إلى المطبوخ يمثل انتقالاً جوهرياً من الطبيعة إلى الثقافة.
هذا الانتقال يعكس بشكل واضح تطور الفكر البشري وتشكل الهوية الثقافية لدى الإنسان. بهذا المنطق، يصبح الطعام المطبوخ، حسب ليفي ستراوس، وسيلة تعبير عن القيم والمعتقدات، متجاوزاً دوره الأساسي كوقود لأجسامنا.
الطهي، إذن، ليس مجرد عملية فيزيائية، بل رمزا للتحضر والتطور الثقافي. عندما نأكل اللحم نيئاً، نشعر وكأننا نعود إلى جذورنا الأولى، إلى طبيعتنا البشرية البدائية. في المقابل، يعكس استخدامنا لأدوات المائدة مثل الشوكة والملعقة وضع مسافة بين الإنسان الطبيعي فينا والإنسان المعاصر داخلنا.
هذا التفكير العميق يجعلنا ندرك أن الطعام ليس مجرد مادة نستهلكها، بل جزءً لا يتجزأ من هويتنا الثقافية. الطريقة التي نحضر بها الطعام، والطريقة التي نتناوله بها، تعكس جوانب من شخصيتنا وثقافتنا.
الطهي، إذن، فن يعبر عن الحضارة والإنسانية. هو عملية نُحَول بها الطبيعة إلى ثقافة، نُحول بها الضرورة البيولوجية إلى تجربة اجتماعية وثقافية. هذا الفهم يضفي بعداً جديداً على تقديرنا للطعام وطرائق تحضيره، ويدعونا للتفكير في كيفية تأثير هذه العمليات اليومية على هويتنا وفهمنا للعالم.