
في السوق الأسبوعي القروي عندنا، تنبض الحياة بحركة دائمة، كأن الزمن يأبى السكون. أصوات الباعة تتداخل مع نداءات النساء الباحثات عن الأفضل بأرخص الأثمان. رائحة الخبز الطازج تختلط بدخان المشاوي المتصاعد، بينما الهواء يروي قصة اجتماع البساطة والكدح.
على الأرض، تُفترش السلع بترتيب عشوائي، أكوام من الفواكه والخضروات تلمع تحت شمس النهار، أكياس البهارات بألوانها الزاهية ترقص مع نسائم الريح، والأقمشة المرفرفة على أعمدة خشبية تبدو كأنها أعلام لأمم من عوالم أخرى. الأطفال يركضون بين الحشود، يحملون في أيديهم حلوى بسيطة، أو دجاجة صغيرة تعدهم بطبق شهي وربما بحياة جديدة.
عند ركن الشواء، يتجمع الكل على كراسٍ متهالكة، يلتهمون المشاوي كأنهم يستعيدون طاقاتهم المهدورة على دروب طويلة. الدخان يلتف حولهم كستار مسرحي يخفي عن أعينهم تعب وقسوة الحياة. على أطراف السوق، نسوة يجلسن واقفات، يبعن الأعشاب والبيض، وجوههن محفورة بتجاعيد تحكي عن عصور من الصبر.
السيارات العتيقة التي تنقل المتسوقين، تحمل فوق طاقتها كما اعتادت أن تفعل منذ عقود. أجساد متلاصقة، سلال ممتلئة، وأصوات تملأ الفراغ بين الطرقات. كأن هذه السيارات شرايين السوق، تربط القرى ببعضها، وتنقل معها حكايات وأسرار كل أسبوع.
وسط هذه المشاهد، وبينما تُسدل الشمس ستار النهار، يظل السوق الأسبوعي شاهدًا على سيرة حياة، بسيطة كخبز أمي، عميقة كندبة على يد عجوز. هنا، حيث الفرح يُباع على هيئة لحظة، والتعب يشتري حياة جديدة، تجد الحكايات التي لم تُروَ بعد مكانها بين أكياس الأعشاب ووجوه الناس. في هذا السوق، لا أحد يعود كما جاء، حتى وإن لم يشترِ شيئًا.




